القاهرة/ مجدي عطية 15/5/1429 20/05/2008
البعض يصفها بأنها جريمة غير مرئية؛ إذ من الصعب على الضحية إثبات جرم الجاني، فيما يؤكد آخرون أنها تشكل باباً لشرور أكبر وأفدح، مما يستوجب تدخلاً عاجلاً للحد من تفشيها وردع مرتكبيها.. إنها جريمة التحرّش الجنسي، والتي تكاد تحرم شوارع القاهرة من سمتها وطبيعتها الآمنة؛ فحوادث التعدي على الفتيات سواء بالتحرّش الجسدي أو بالألفاظ والكلمات الخادشة للحياء العام تفشت بشكل وبائي، الأمر الذي دق ناقوس الخطر، وبخاصة أن التحرش كثيراً ما يكون الخطوة الأولى نحو جريمة أشد وطأة وهي الاغتصاب؛ إذ تشير الإحصائيات إلى وقوع أكثر من (20) ألف عملية اغتصاب في مصر خلال عام 2006 فقط، وهذه الحصيلة هي فقط ما تم الإبلاغ عنه؛ إذ كثيراً ما تحجم الضحية عن ذلك خوفاً من نظرة المجتمع غير العادلة تجاه "المغتصبة".والغريب أن هذا الأمر لم يعد يقتصر على التحرّش بالفتيات الجميلات أو المتبرجات فحسب، وإنما بدأت تعاني النساء والفتيات المحجبات من مختلف الأعمار من هذه الظاهرة، كما أن هذا يحدث في الشارع والمواصلات العامة، وأماكن العمل والجامعات وأمام المدارس.تفسيرات عديدة لتفاقم هذه الظاهرة؛ فالبعض يعزو ذلك إلى انتشار الفقر وتزايد معدلات البطالة بين الشباب، وهو ما يتسبب في تأخر سن الزواج، ويزيد من حالة الكبت الجنسي لدى الشباب العاجز عن توفير متطلبات الزواج، وهو ما يدفعه للتنفيس من خلال مثل هذه السلوكيات الشاذة، كما يربط كثيرون انتشار التحرش بغياب دور الأسرة التربوي، وتزايد تأثير وسائل الإعلام الماجنة.وبلغت ذروة هذه الظاهرة عندما شهدت شوارع القاهرة في عيد الفطر قبل نحو عامين جريمة تحرش جنسي جماعي، حين قامت مجموعات كبيرة من الشباب يُقدّرون بالمئات من مختلف الأعمار بالتحرش بالفتيات، وبخاصة أمام دور السينما مستغلين حالة الزحام الشديد، وقد تمت إثارة هذه الجريمة على بعض القنوات الفضائية والمدونات والمواقع الإلكترونية، كما تعرضت عضوات في الحركة المصرية من أجل التغيير "كفاية " يوم 25 مايو 2005 لتحرشات واعتداءات من قبل عناصر في أجهزة الأمن يرتدون زياً مدنياً خلال مظاهرتين مناهضتين للاستفتاء على التعديلات الدستورية.
تفشي التحرش
وعلى صعيد رصد حجم الظاهرة، كشفت دراسة علمية حديثة أن 90% من المصريات يتعرضن لأحد أشكال التحرش الجنسي سواء بالنظرات أو الكلمات الخارجة أو الاحتكاك الجسدي المباشر، وهذا التحرش يشمل الفتيات والنساء من كل الأعمار. وأظهرت الدراسة أن 65% ممن شملتهن الدراسة يتعرضن لثلاثة أنواع من التحرّش الجنسي، وهى اللمس واللفظ و النظرات في حين أن 15% يتعرضن لنوعين فقط، وهما التحرّش باللفظ والنظرات، فيما رفض20% الإجابة عن هذا السؤال.وحول هوية الشخص الذي يتحرّش، فإن نساء العينة أوضحن أن 70% منهم أشخاص مجهولون في الشارع وعمال خدمات وموظفون ترددن عليهم في مصلحة حكومية، بينما قرر10% منهن أنه زميل دراسة أو عمل، كما قرر 10% أنه رئيس في العمل، مما يشير بوضوح -حسبما تؤكد الدراسة- أن "التحرش العابر" لا يزال هو الأكثر شيوعاً، كما أن عدم معرفة الجاني بالضحية هي أحد الأمور المشجعة على اقتراف جريمته.وأوضحت الدراسة أن التحرش يحدث بنسبة 50% في الشارع، والمواصلات العامة بنسبة 20%، في حين جرت 10% من عمليات التحرش في أماكن الترفيه مثل السينما والملاهي والنوادي. المثير أن الدراسة طرحت سؤالاً مفاده: هل يمكن أن يصدر التحرش عن أشخاص يُفترض أنهم محل ثقة مثل "رجال الشرطة أو أئمة مساجد أو قساوسة في كنائس"؟ وكانت الإجابة بـ "نعم" من 90% من أفراد الدراسة، كما قال 80% إن التحرش قد يصدر عن أقارب لهن.
مليون توقيع
وفي محاولة لمواجهة هذا التفشي لعمليات التحرش الجنسي، دشن المركز المصري لحقوق المرأة حملة موسعة أطلق عليها "حملة المليون توقيع"، وذلك للمطالبة بإقرار قانون يجرم التحرّش الجنسي في الشارع المصري، مشيراً إلى أن هذه الحملة تأتي ضمن حملة سابقة أُطلق عليها: "شارع آمن للجميع"، وذلك بعد أن تلقّى المركز عشرات الشكاوى من نساء مصريات وأجنبيات تعرّضن للتحرّش الجنسي في الشوارع. وكشف المركز، نقلاً عن تقرير للمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، عن ارتفاع عدد جرائم الاغتصاب في عام 2006 فقط إلى (20) ألف حالة، وهو ما يؤكد أن الاغتصاب والتحرّش الجنسي أصبحا ظاهرة في الشارع المصري، مدللاً على كلامه بأنه أجرى العديد من الدراسات الميدانية على عينة مكونة من (2500) فتاة وسيدة في ست محافظات، وكشفت هذه الدراسات أن (1049) منهن تعرضن للتحرش في الشارع، وهذه النسبة تمثل 37.4% من العينة المذكورة.وأرجع المركز تزايد جرائم التحرّش الجنسي إلى غياب مفهوم التحرش الجنسي في قانون العقوبات المصري، موضحاً أن حملة التوقيع تهدف إلى المطالبة بقانون يحمي المرأة من التحرّش الجنسي.
غياب الأسرة
من جهتها رأت الدكتورة آمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر أن هناك حالة من الانفلات الأخلاقي غير العادي في الشارع المصري، كما أنه توجد أيضاً استباحة لكل شيء؛ سواء الإنسان أو المال العام أو الأديان، وذلك يرجع في الأساس لغياب دور الأسرة التربوي في تربية الأبناء وتنشئتهم تنشئة أخلاقية ودينية كريمة.وأوضحت أن الأسرة يجب أن تربي أبناءها على أن الفتاة أو السيدة التي تسير معه في الشارع أو التي تستقل وسيلة مواصلات أو زميلته في العمل هي أخت له في الوطن والأخلاق، و يجب عليه ألاّ يسلك نحوها سلوكيات مرفوضة أخلاقياً، كما أنه يجب على الأسرة أن تعمل على تكوين الضمير الحي لدى الأبناء.وتشير الدكتور آمنة إلى أن غياب التربية والوازع الديني لدى الشباب هو السبب الرئيس لما يحدث من انفلات أخلاقي في المجتمع المصري، كما أن البطالة والفقر هي أسباب معينة وليست أساسية، ولذلك يجب على الأسرة ووسائل الإعلام التكاتف من أجل نشر الفضيلة والأخلاق الحميدة بين الشباب والأبناء.
مبالغة وتغريب
وفي رؤية مختلفة تحفّظ المفكر الإسلامي الدكتور أحمد عبد الرحمن على الأرقام الواردة في الإحصائيات الخاصة بالتحرّش، مشيراً إلى أنها مبالغ فيها؛ فظاهرة التحرّش وإن كانت موجودة بالفعل في الشارع المصري، حيث تتزايد أعداد الشباب المنحرف، فإنه في المقابل يتزايد الشباب الذين يلتزمون بمبادئ دينهم ويلتزمون أخلاقياً.وأرجع وجود هذه الظاهرة إلى قيام الكثير من النساء والفتيات بالتبرج، كما ربط ذلك بسيطرة القوى العلمانية واليسارية على وسائل الإعلام والثقافة في مصر، والتي تعمل على نشر الإباحية من خلال هذه الوسائل، وخاصة القنوات الفضائية التي أصبح لها تأثير كبير على المواطن. ويشدد الدكتور عبد الرحمن على أن علاج هذه الظاهرة يبدأ أساساً من داخل الأسرة التي هي النواة الأولى للمجتمع؛ فالأسرة لها دور كبير في تنشئة أبنائها، وهذه التنشئة يجب أن تكون إسلامية في المقام الأول والأخير، كما أنه يجب على الدولة نشر الأخلاق والتدين من خلال وسائل الإعلام، وعدم إذاعة المواد الإعلامية الإباحية التي تدعو إلى الرذيلة، خاصة في ظل تدني المستوى الثقافي.
نسق أخلاقي
من جانبها أكدت الدكتورة حنان سالم أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس أن ظاهرة التحرّش الجنسي تتصاعد في الشارع المصري بشكل رهيب، كما أن الفاعل لم يعد من الشباب فقط، وإنما بدأت قائمة المتحرّشين تتسع لتشمل كل المراحل العمرية من أطفال ورجال، وهو ما يستلزم وقفة جادة للقضاء على هذه الظاهرة التي ترجع أساساً إلى المشاكل الاقتصادية الطاحنة، وغياب الوازع الديني، ووجود قنوات فضائية تروج للفسق والفجور، وتشجع الشباب على ذلك.وتقلل الدكتورة حنان من أهمية إقرار قانون مباشر يجرم التحرّش الجنسي؛ لأن هذه الجريمة تُعدّ من الجرائم غير المنظورة، والتي يصعب إثباتها، مشيرة إلى أن الأهم من ذلك هو إيجاد نسق أخلاقي في الشارع يمنع هذه الظاهرة، كما أنه يجب على الأسرة أن تمارس دورها الأساس في تنشئة الأبناء تنشئة أخلاقية سليمة، وأن تقوم الدولة بحل مشاكل الشباب الاقتصادية من خلال توفير فرص العمل، وإيجاد المساكن لحل مشكلة تأخر سن الزواج، وبالإضافة إلى ذلك يجب على وسائل الإعلام أن تقوم بدور تربوي إلى جانب الأسرة، ولا يقتصر دورها على الإعلام الترفيهي فقط.
الإسلام اليوم .
الاثنين، 26 مايو 2008
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
هناك تعليقان (2):
حقاً انها ارقام مخيفه جدا و ما خفي اعضم .. لا حول ولا قوة الا بالله
دراسة: الأطفال بين 6 و10 أعوام الأكثر عرضة للتحرش الجنسي والمعلمون ينضمون لقائمة المتحرشين
الرياض: جواهر الهياس
كشفت دراسة حديثة أن الأطفال ما بين 6 ـ 10 أعوام هم الأكثر عرضة للتحرش الجنسي في السعودية بنسبة 23 في المائة، فيما يقل ذلك بين الفئة العمرية المتراوحة بين 11 ـ 15 عاما بنسبة 20 في المائة، وأما البالغون من عمر ستة عشر عاما إلى ثمانية عشر فتكون نسبة تعرضهم بنسبة 13 في المائة، ويقل تعرض الأطفال بين عمر الخامسة فأقل حيث لا تتجاوز النسبة 3 في المائة. وتشير الدراسة التي أعدها الدكتور علي بن حسن الزهراني اخصائي نفسية في وزارة الصحة على عينة من طلبة الجامعات والكليات وبعض السكان عبر صناديق البريد في المناطق الشرقية والغربية والوسطى إلى أن النسبة الكبرى من المتحرشين عادة ما يكونون من الأقارب ثم من الأصدقاء فالأخوان وآخرهم المعلمون والمعلمات، مشيرا إلى أن هذه الدراسة دقيقة إلى حد ما وذلك لقلة البحوث في هذا المجال ولتحفظ بعض الأهالي.
وأفاد الزهراني انه بحسب اتفاقية حقوق الطفل والتي صادقت عليها الأمم المتحدة فإن الطفل هو كل إنسان لم يتجاوز الثمانية عشر عاما، ما لم تحدد القوانين الوطنية سنا أصغر للرشد، والمعتدي أو المتحرش حسب التعريف هو شخص يكبر الضحية وغالبا تكون له علاقة ثقة وقرب به.
وأوضح معد الدراسة أن الاتفاقية حددت أن الاعتداء عادة ما يكون عن طريق التودد والترغيب من خلال تقديم الهدايا والملاطفة أو الترهيب والتهديد والتخويف من إفشاء السر وذلك عن طريق الضرب واخطر ما في الموضوع انه يتم بسرية تامة.
وتابع، انه بحسب التقييم العالمي التحرش الجنسي عادة يكون من خلال كشف عورة الطفل من خلال إزالة الملابس عنه أو ملامسة وملاطفة جسده والتلصص عليه وكذلك من خلال تعريضه لصور فاضحة أو أفلام أو عن طريق إجباره على أعمال شائنة غير أخلاقية كإجباره على التلفظ بألفاظ فاضحة أو اغتصابه.
من جهته، أشار الدكتور عبد الله الحريري أحد المختصين النفسيين الى ان غلب المترددين على العيادة من الذين تعرضوا للتحرش الجنسي في فترة الطفولة، ما يولد لديهم عقدة الشعور بالذنب واتهام الضحية لنفسه بعدم المقاومة، وبالتالي يفقد الثقة بنفسه وأسرته وأخيرا بالمجتمع، وقد يسلك نفس سلوك الجاني بالاعتداء على الآخرين كنوع من الانتقام.
وساق الدكتور الحريري مثالا لطفلة تعالج لديه بالعيادة عمرها ستة أعوام تعرضت لتحرش جنسي مستمر من قبل سائق الاسرة ذي البشرة الداكنة مما سبب لديها مستقبلا مخاوف من أصحاب هذه البشرة ومخاوف من الزواج ورفض الرجل بشكل عام.
ويرجع الدكتور الحريري أسباب حدوث هذه الظاهرة إلى نقص التوعية الجنسية المطلوب توفرها لدى الأطفال وان تتم التوعية من الاسرة بما يتناسب مع عمر الطفل وتتكامل هذه التوعية في المدارس بشكل موضوعي إلى جانب انخفاض العامل الاقتصادي الذي يدفع بعض العائلات إلى نوم أفرادها في غرفة واحدة او إهمال الأهل لأطفالهم وتركهم عند الخدم لوقت طويل من دون ملاحظتهم ويساعد ذلك على حب الاستطلاع الذي يملكه الطفل ويدفعه إلى ممارسة ذات السلوك مع غيره. ويضع الحريري حلولا من اجل حماية الأطفال ضد تعرضهم لتجربة التحرش الجنسي تتمثل في توعية الأبناء بشكل صريح بعيد عن الابتذال وان تكون التوعية حسب عمر الطفل مبسطة جدا للصغار وبتوضيح أكثر للكبار وينبغي مراقبتهم عند اللعب وخاصة عندما يختلون بأنفسهم فقد يلجأوون إلى تقليد الكبار وببرأة. كما حذر الوالدين من التحدث او التشويق او استخدام عبارات تعتمد على الإثارة الجنسية وطالب الأمهات بعدم مداعبة أعضاء الطفل الجنسية.
وناشد الأهل أن يغمروا الطفل بالحنان والحب وان يزرعوا الثقة بينهم وبين أطفالهم وتحاشى زرع الخوف في نفوس الأطفال وان يفتحوا قنوات للحوار مع أطفالهم للوصول الى مزيد من الصراحة وحمايتهم من الخوف حتى يتمتع الطفل بحياة جسدية ونفسية وجنسية سليمة.
الشرق الاوسط 11/06/2005
إرسال تعليق